- السيرة / ٠1السيرة النبوية / ٠3الشمائل المحمدية
- /
- ٠2الشمائل المحمدية 2010م
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
النبي الكريم معصوم في أقواله و أفعاله وإقراره:
أيها الأخوة الكرام، مع الدرس الأول من دروس شمائل النبي صلى الله عليه وسلم، ولابدّ من وقفة في بداية هذه السلسلة بالتعريف بأهمية هذا الموضوع.
الحقيقة الأولى: أن النبي عليه الصلاة والسلام معصوم بمفرده، معصوم في أقواله، وفي أفعاله، وفي إقراره، وقد أمرنا الله عز وجل من خلال القرآن الكريم أن نأخذ منه ما آتانا، وأن ننتهي عما عنه نهانا، فمتابعة النبي عليه الصلاة والسلام في أقواله وفي أفعاله وفي إقراره واجب عيني على كل مسلم، لأنه القدوة، ولأنه المثل، ولأنه يمثل الكمال البشري، ولأن الله عز وجل بعثه هادياً لكل الأمم من دون استثناء بل هو رحمة للعالمين.
أنت كإنسان مؤمن تبتغي الله والدار الآخرة لا بدّ من أن يكون هذا الإنسان العظيم قدوة لك في كل أحواله؛ في بيته، في عمله، مع أخوانه، مع أصحابه، في سلمه، في حربه، في فقره، في غناه، في ضعفه، في قوته، هو القدوة والمثل، وقد أمرت أن تتابع النبي عليه الصلاة والسلام وقد قال الله عز وجل:
﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
المسلمون اليوم في أمس الحاجة إلى معرفة سيرة النبي و شمائله:
بل إن كل ما يعانيه العالم الإسلامي اليوم من ضعف وتفرق بسبب بعد المسلمين عن تطبيق سنة النبي القولية، وعن الاقتداء بسنته العملية، والدليل قوله تعالى:
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾
قال علماء التفسير: معنى الآية بعد انتقال النبي عليه الصلاة والسلام إلى الرفيق الأعلى، أي مستحيل وألف ألف مستحيل أن يعذب المسلمون بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام ما دامت سنة النبي عليه الصلاة والسلام، ومنهجه، وسيرته قائمة في حياتهم، هذا هو التفسير الأول:
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾
فنحن بحسب هذه النصوص وتلك المقدمة في أمس الحاجة إلى معرفة سيرة النبي، ومعرفة شمائله.
بالمناسبة السيرة تخضع للتسلسل الزمني، هذا معنى السيرة، لكن الشمائل تخضع للتصنيف الموضوعي، فالنبي الكريم الحديث عن رحمته من الشمائل، وعن عدله من الشمائل، وعن حلمه من الشمائل، وعن محبته لأصحابه من الشمائل، فنحن في سلسلة الشمائل، أي هذه السلسلة تعني أن ندرس حياة هذا النبي الكريم، وأخلاقه، بشكل موضوعات لا بشكل قصة فيها تسلسل زمني.
الله عز وجل أمر المؤمنين أن يأخذوا عن النبي وأن يقتدوا به:
أيها الأخوة، إذا قلنا سنة النبي ماذا تعني؟ تعني أقواله، وأفعاله، وإقراره، تعني أقواله تشريع:
﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾
كلامه وحي غير متلو وهو معصوم وقد أمرنا أن نأخذ عنه:
﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (7) ﴾
وقد أمرنا أن نقتدي به في سيرته، قال تعالى:
﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾
الحركة التي ينبغي أن يتحركها الإنسان يجب أن تكون مطابقة لحركة النبي:
الشيء الثاني، أخوتنا الكرام الإنسان كائن متحرك ما الذي يحركه؟ حاجته إلى الطعام والشراب، وحاجته إلى الطرف الآخر الزواج، وحاجته إلى تأكيد الذات، هذه دوافع الحركة، الآن الإنسان كائن متحرك، هذه الحركة إما أن تكون فرضاً تتوقف على هذه الحركة سلامتك وسعادتك، وإما أن تكون واجباً أقل من الفرض، وإما أن تكون سنة، وإما أن تكون مباحاً، وإما أن تكون مكروهة، وإما أن تكون مكروهة كراهة تحريمية، وإما أن تكون حراماً، ما من حركة ولا سكنة ولا سير ولا وقوف ولا ذهاب ولا إياب ولا عطاء ولا منع ولا غضب ولا رضا إلا ويخضع لهذه التقسيمات؛ فرض، واجب، سنة، مستحب، مباح، مكروه كراهة تنزيهية، كراهة تحريمية، حرام، وأنت مكلف أن تتابع النبي عليه الصلاة والسلام، فلذلك نحن حينما ندرس شمائله كأنني أقول لكم ندرس ما ينبغي أن نعمله، ندرس ما ينبغي أن نقتدي به، إذاً موضوع دقيق جداً لأن الإسلام كله كلمتان لا إله إلا الله توحيد، محمد رسول الله اقتداء، أي هناك كلمة التوحيد وكلمة الاتباع، تؤمن بأنه لا إله إلا الله وتتبع هذا النبي، بل إن دعوة الأنبياء جميعاً مختصرة بكلمتين:
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾
وما أرسلنا من رسول إلا نوحي إليه نقطتين، أنه لا إله إلا أنا، توحيد، فاعبدون الطاعة، أي الإسلام عقيدة وسلوك، منطلقات نظرية، تطبيقات عملية، فكر وحركة، إذاً الحركة التي ينبغي أن يتحركها الإنسان يجب أن تكون مطابقة لحركة النبي عليه الصلاة والسلام.
تعلم السيرة من خلال الشمائل فرض عين على كل مسلم:
أيها الأخوة، إذاً تعلم السيرة من خلال الشمائل يكاد يكون فرض عين على كل مسلم، لماذا؟ لأن الله حينما أمرك أن تأخذ عن النبي من لوازم هذا الأمر أن تعرف ما الذي أعطاك هذا النبي الكريم، وما الذي منعك، وما الموقف الذي ينبغي أن تقتدي به، والشيء الثابت أنه ما لا يتم الفرض إلا به فهو فرض، كالوضوء تماماً، الصلاة لا تتم إلا بالوضوء، فكما أن الصلاة فرض فالوضوء فرض، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما لا تتم السنة إلا به فهو سنة، إذاً ما دام كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب، والأمر الإلهي:
﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (7) ﴾
إذاً من لوازم الائتمار بهذا الأمر أن نعرف ما الذي آتانا، وما الذي عنه نهانا، مثلاً النبي عليه الصلاة والسلام كان في بيت أحد أصحابه وقد توفاه الله، فسمع امرأة تقول: " هنيئاً لك أبا السائب لقد أكرمك الله "، لو أنك سمعت هذا الكلام وسكت لا شيء عليك، لأن النبي عليه الصلاة والسلام مشرع سكوته أو إقراره ـ السكوت يعني الإقرار ـ يعد تشريعاً، هذه الكلمة غير صحيحة، قالت هذه المرأة: "هنيئاً لك أبا السائب لقد أكرمك الله"، ماذا قال لها النبي عليه الصلاة والسلام؟
(( وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَكْرَمَهُ... وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ وَاللَّهِ مَا أَدْرِي وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَا يُفْعَلُ بِي ))
أي واحد من أصحاب النبي لو سمع هذه الكلمة وبقي ساكتاً لا شيء عليه إلا النبي وحده لو سكت لكان سكوته يعني أن كلامها صحيح وكلامها غير صحيح، هذا سماه العلماء: التألي على الله، عود نفسك ألا تحكم على مصير إنسان قد يتوب ويسبقك، الآن هناك معصية لكن إياك أن تتكلم عن مصيره عند الله، الحديث عن مصيره عند الله نوع من التألي على الله، هذا مثل لأنه سمع كلمة مخالفة للتوحيد وليس فيها أدب مع الله، أنت حينما تحكم على مستقبل إنسان كأنك تعلم الغيب ولا يعلم الغيب إلا الله، قال لها:
(( وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَكْرَمَهُ... وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ وَاللَّهِ مَا أَدْرِي وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَا يُفْعَلُ بِي ))
إذاً أقوال النبي عليه الصلاة والسلام وأفعاله وإقراره تشريع، إذاً الحديث عن شمائل النبي حديث عن تشريع علينا أن نطبقه، علينا أن نقتدي به، علينا أن نسير على نهجه، علينا أن نجعله هدفاً لنا.
معرفة سيرة النبي فرض عين كي نقتدي به:
أنا قلت لكم قبل قليل: إن كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب، وبطولتكم أيها الأخوة أن تفهموا الدين لا على أنه خمس عبادات، على أنه منهج تفصيلي، يبدأ من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية، وأن الذي ينبغي أن نتبعه، وأن نسير على منهجه، هو رسول الله، إذاً نحن في أمس الحاجة إلى هذه السلسلة من الدروس، كي نقتدي برسول الله، وكي نسير على نهجه، وكي نطبق سنته القولية، وكي نتأسى بسيرته العملية.
أخواننا الكرام، كلكم يعلم أن في الإسلام ما يسمى بفرض عين وفرض كفاية، أي التبحر في علم السيرة، التبحر في شمائل النبي، مراجعة الموضوع من مصادره القديمة، قراءة الروايات كلها، هذا فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الكل، لكن فرض العين أن هذه القصة القصيرة امرأة تقول: هنيئاً لك أبا السائب لقد أكرمك الله، قال لها النبي عليه الصلاة والسلام؟
(( وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَكْرَمَهُ... وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ وَاللَّهِ مَا أَدْرِي وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَا يُفْعَلُ بِي ))
هذه القصة يجب أن نأخذ بها جميعاً، أي أقول: والله أظنه صالحاً ولا أزكي على الله أحداً، لا يليق بك كعبد ضعيف أن تحكم على إنسان بل على مصيره هذا كبر وتأل على الله، والنبي نهى عنه بهذا النص.
إذاً معرفة سيرة النبي فرض عين كي نقتدي به، معرفة سنة النبي فرع عين كي ننصاع لأمره، أما التبحر، والتعمق، والتفرغ، والتأليف، ودراسة الروايات، ومتابعة هذه الروايات، والتدقيق في مصادرها، في مراجعها، هذا فرض كفاية إذا قام به البعض كعلماء السيرة سقط عن الكل.
الحركة اليومية للمسلم ما لم تكن وفق منهج الله لن نقطف من ثمار السيرة شيئاً:
أيها الأخوة، الآية مرة ثانية:
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾
أي نحن إذا طبقنا منهج النبي فنحن في حرز من عذاب الله، نحن في بحبوحة، نحن في أمن، نحن في قوة، نحن في غنى، وقد نفسر ما يصيب العالم الإسلامي كله من ضعف وتمزق لأن منهج النبي الكريم غائب من حياتهم، أما الأطر الإسلامية قائمة، هناك مساجد، هناك صلوات، هناك خطب، هناك قرآن يتلى، هناك سنة تدرس، لكن الحركة اليومية للمسلم ما لم تكن وفق منهج الله لن نقطف من ثمار هذه السيرة شيئاً، الله عز وجل يقول:
﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ ﴾
شيء خطير، تذهب إلى بلاد بعيدة يعبدون موج البحر، يعبدون القمر، يعبدون الشمس، يعبدون الحجر، يعبدون النار، يعبدون شيئاً لا يليق أن أذكره، في اليابان يعبدون أصناماً من دون الله، والله عز وجل كرمنا في هذه الرسالة، إذاً:
﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ ﴾
كل كلمة في السيرة النبوية منهج للإنسان:
الشيء الذي يلفت النظر أن هذا النبي كمله الله كمالاً مطلقاً:
﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾
قَلِدْه في حلمه، قلده في رحمته، قلده في صدقه، قلده في أمانته، قلده في محبته للآخرين، هذا الذي نتمنى أن يكون واضحاً في هذا الدرس إن شاء الله، أي النبي الكريم تزوج السيدة خديجة وهي أكبر منه بخمسة عشر عاماً، هو في الخامسة والعشرين، وهي في الأربعين، وعلمنا من خلال هذا الدرس أن المرأة الصالحة لا شيء يعدلها، وكان يحبها حباً جماً، بل إنه حينما فتح مكة المكرمة، دعته بيوتاتها ليبيت عندهم فقال لهم: لا، انصبوا لي خيمة عند بيت خديجة، وركز لواء النصر أمام قبرها ليعلم العالم كله أن هذه المرأة التي في القبر هي شريكته في النصر.
هذا درس ثان، هل أنت وفي لزوجتك أم أولادك؟ هذه التي قبلت بك زوجاً وكنت في وضع صعب جداً، قبلت شظف العيش معك ألا ينبغي أن تذكر فضلها؟ هذا درس، صدقوا أيها الأخوة كل كلمة في السيرة منهج لنا.
شيء آخر أتمنى أن يكون واضحاً لديكم: أن الآخر يصف النبي أنه عبقري، أو مصلح اجتماعي كبير، أو أنه قائد فذ، هذا كله مرفوض، النبي عليه الصلاة والسلام نبي، لا تنزع عنه صفة النبوة، هو سيد الأنبياء والمرسلين، لا تقل عبقرياً، أو مصلحاً اجتماعياً، أو شخصية فذة، هذا لا يرفعه، يرفعه عند الله أنه نبي، وأنه مرسل ومعه رسالة.
معرفة النبي جزء من الدين والتعريف بالنبي جزء من الدعوة إلى الله:
شيء آخر الله عز وجل يقول:
﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ ﴾
وكأن الله جلّ جلاله يدعونا إلى معرفة نبينا، معرفة النبي جزء من الدين، والتعريف بالنبي جزء من الدعوة إلى الله، اعلم علم اليقين أن جزءاً من نشاطك ينبغي أن يتجه لمعرفة هذا النبي الكريم:
(( سَلُوا الله لي الوسيلةَ، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكونَ أنا ))
مقام أوحد في بني البشر يحتله النبي عليه الصلاة والسلام، اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آتِ سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم الوسيلة والفضيلة، وابعثه المقام المحمود الذي وعدته، والمقام المحمود هو مقام لواحد من بني البشر، هو النبي عليه الصلاة والسلام، لذلك قوله تعالى:
﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ ﴾
دعوة إلى معرفة النبي:
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ ﴾
مدارسة أحوال النبي وشمائله وأقواله وأفعاله جزء من الدين لأنه القدوة:
إذاً: مدارسة أحوال النبي، وشمائل النبي، وأقوال النبي، وأفعال النبي، وكمالات النبي، جزء من الدين لأنه القدوة.
بالمناسبة دائماً الكمال والأخلاق من دون أن تجسد بإنسان لا قيمة لها، أي عظمة هذا الدين أن الكمال الذي أراده الله تراه برسول الله، أي السيرة حقيقة مع البرهان عليها، السيرة كمال مجسد في إنسان، السيرة هي أن إنساناً هو قرآن يمشي، والذي قال: الكون قرآن صامت والقرآن كون ناطق والنبي قرآن يمشي، كلام رائع، بل إن السيدة عائشة رضي الله عنها، تقول:
(( كان خلقه القرآن ))
أخوانا الكرام، معرفة هذا النبي الكريم إنجاز كبير لكل مؤمن، يقول الله عز وجل:
﴿ وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾
إذا كان قلب سيد الخلق وحبيب الحق يزداد يقيناً بسماع قصة نبي دونه فلأن يمتلئ قلبنا إيماناً وتألقاً بمعرفة سيرة سيد الأنبياء من باب أولى.
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ ﴾
هذا كله يؤكد أن معرفة رسول الله صلى الله عليه وسلم جزء من الدين بل إن قوله تعالى:
﴿ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا ﴾
وكل أمر يقتضي الوجوب.
أمية النبي عليه الصلاة والسلام وسام شرف له وأميتنا وصمة عار بحقنا:
شيء آخر إنك تعتز بأستاذ لك كبير، بعالم جليل، لأنه درس العلم على يد علماء كبار، فكيف بالنبي وقد تولى الله تعليمه؟
﴿ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى *ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى ﴾
وهو أمي، معنى أمي الفكرة دقيقة، لو جاءنا أعلى طبيب جراح بالعالم، يحمل بضع شهادات عليا، وله تجارب رائعة في العمل الجراحي، ودخل مطار دمشق وهو لا يتقن اللغة العربية، فإذا قلنا: هذا الطبيب اللامع والعالم الكبير هو أمي في اللغة العربية، كلامنا صحيح، هل تعني أمي أنه جاهل؟ قد يكون أعلم العلماء لكن من حيث اللغة لا يتقنها، فالنبي لا يكتب ولا يقرأ، ولكن الله تولى تعليمه، لأن وعاءه الثقافي ما أراده الله أن يكون ممتلئاً بثقافة أهل الأرض، وتكلم النبي مع أصحابه، يسأله أصحابه مع كل كلمة يقولها هذه من ثقافتك أم من الوحي؟ فشاءت حكمة الله أن يكون وعاء النبي الثقافي فارغاً من كل ثقافة أرضية، وأن يملأ هذا الوعاء بوحي السماء، لذلك قال تعالى:
﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾
إذاً أمية النبي عليه الصلاة والسلام وسام شرف له، وأميتنا وصمة عار بحقنا.
النبي الكريم لولا أنه بشر تجري عليه كل خصائص البشر لما كان سيد البشر:
أيها الأخوة: ولكن هو سيد الأنبياء والمرسلين، وسيد ولد آدم، وقد عصمه الله ويوحى إليه ولكنه بشر، لولا أنه بشر تجري عليه كل خصائص البشر لما كان سيد البشر:
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾
أي هذا الكلام ينضم إلى موضوع المقدمة، وفي دروس قادمة إن شاء الله سنتحدث طويلاً عن شمائله كمالاً كمالاً وموقفاً موقفاً، ولعل الله سبحانه وتعالى ينفعنا بهذه السلسلة من الدروس المتعلقة بشمائل النبي عليه الصلاة والسلام، وكل ما أرجوه أن تكون هذه الدروس صالحة للتطبيق اليومي حتى ننتفع بها، وحتى نستحق نصر الله عز وجل لقوله تعالى:
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)﴾
الإعجاز العلمي:
قيمة الإعجاز العلمي في حياتنا المعاصرة:
أيها الأخوة، كالعادة قسم آخر من الدرس يتعلق بالإعجاز العلمي، وفي هذه الدقائق سأتحدث لا عن موضوع محدد، ولكن عن قيمة الإعجاز العلمي في حياتنا المعاصرة، صدقوا ولا أبالغ أن هذه المادة مادة الإعجاز العلمي تعد المادة الأولى في الدعوة إلى الله، لأن هذه المادة تؤكد أن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن، إليكم بعض الأمثلة.
رواد الفضاء حينما صعدوا إلى الفضاء الخارجي، وركبوا مركبة فضائية، وهذه أعلى سرعة صنعها الإنسان، أيها الأخوة، ما الذي حدث؟ بعد أن تجاوز رواد الفضاء طبقة الهواء، وفي طبقة الهواء حادث فيزيائي اسمه انتثار الضوء، أشعة الشمس إذا سلطت على ذرات الهواء، ذارات الهواء عكستها على ذرات أخرى، فكان الضياء في الأرض، فلما تجاوز رواد الفضاء هذه الطبقة انتهت ظاهرة انتثار الضوء، ودخل الرواد في ظلام دامس، فصاح الرائد الأول بأعلى صوته: لقد أصبحنا عمياً لا نرى شيئاً، وكان أحد كبار علماء الذرة من مصر فاروق الباز في القاعدة التي انطلقت منها هذه المركبة، وسمع بأذنه قول رائد الفضاء لقد أصبحنا عمياً، لو فتحنا القرآن الكريم على قوله تعالى:
﴿ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنْ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ، لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ ﴾
آية نزلت قبل ألف وأربعمئة عام تتطابق تطابقاً تاماً مع كلمة قالها رائد الفضاء، وهو قد تجاوز مئة ألف كيلو متر نحو الفضاء، وبعد الأرض عن القمر ثلاثمئة وستين ألف كيلو متر، ما هذا الكلام؟ هذه شهادة الله أن هذا القرآن الكريم كلامه، وأن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن الكريم.
أيها الأخوة الكرام، وكالة فضائية هي أضخم وكالة في العالم "ناسا"، عرضت صورة إذا تأملتها لا تشك لثانية واحدة أنها وردة جورية، بأوراقها الحمراء الداكنة، ووريقاتها الخضراء الزاهية، وكأسها الأزرق في الوسط، تأملها جيداً وردة جورية كُتب تحتها: صورة انفجار لنجم اسمه عين القط يبعد عن الأرض ثلاثة آلاف سنة ضوئية، والضوء يقطع في الثانية الواحدة ثلاثمئة ألف كيلو متر، افتح القرآن الكريم على قوله تعالى:
﴿ فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾
هذا القرآن الكريم، تركب طائرة من أرقى الأنواع"777"، في الدرجة الأولى، مقاعد وثيرة مكيفة، أمامه الصحف والمجلات، أنواع الأطعمة الفاخرة، فضائيات، برامج، وأنت على ارتفاع يقدر بأربعين ألف قدم، وتحمل هذه الطائرة أربعمئة إنسان، يأكلون، ويشربون، وينامون، ويستيقظون، وهي تجري بهم في الفضاء الخارجي، تفتح القرآن الكريم تقرأ قوله تعالى:
﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا ﴾
أنت راكب طائرة أين الحمار من الطائرة؟ لكن حينما تتابع الآية:
﴿ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾
فالطائرة، والسيارة، والحوامة، والباخرة، والسفينة، وكل وسائل النقل، والقطار السريع، أي تزيد سرعته عن ثلاثمئة وخمسين كيلو متر دخل في هذه الآية، إذاً هو كلام الله عز وجل.
الآيات الكونية منهج لنا للتفكر في خلق السماوات:
القرآن الكريم فيه تقريباً ألف وثلاثمئة آية تتحدث عن الكون، وأنا أرى أيها الأخوة، أن هذه الآيات الكونية هي منهج لنا للتفكر في خلق السماوات، لأن الله عز وجل يقول:
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
إذاً التفكر في خلق السماوات والأرض فرض على كل مسلم لقول النبي عليه الصلاة والسلام: "الويل لمن لم يفكر بهذه الآية".
لذلك إن شاء الله مع سلسلة هذه الدروس المتعلقة بشمائل النبي عليه الصلاة والسلام سيكون لنا في كل درس ما يساوي عشر دقائق من الإعجاز العلمي، والإعجاز العلمي يؤكد أن الذي خلق الأكوان هو الذي خلق الإنسان، وهو الذي أنزل القرآن الكريم، وهو المادة الأولى في الدعوة إلى الله، لأن هذا العصر يؤمن بالعلم، والمفاجأة الصاعقة أن بعض الكشوف الحديثة والمتفوقة تجد أصلها في القرآن الكريم، وعدد كبير جداً من علماء الأرض حينما يكتشفون شيئاً خطيراً يتميزون به، ثم يفاجؤون أن هذا الشيء الخطير قد ورد ذكره في القرآن الكريم قبل ألف وأربعمئة عام، فلا يسعهم إلا أن يؤمنوا بالله جلّ جلاله، وإلى درس آخر إن شاء الله.